في لحظة سياسية تتعاظم فيها الشكوك حول جدوى العمل الحزبي داخل البرلمان، وتتهاوى فيها الثقة الشعبية أمام عجز الكتل عن تجاوز الخطابة والمراوحة، تُعلن كتلة الميثاق النيابية، المنبثقة عن حزب الميثاق الوطني، عن نفسها بوصفها حالة متقدمة في الوعي الحزبي والممارسة البرلمانية. فقد بادرت الكتلة إلى الخروج من قمقم العمل النيابي التقليدي، وتقدّمت خطوة جريئة نحو الميدان، حيث الواقع، والناس، والتفاصيل التي لا تُقرأ في نصوص الخطب، بل تُلمس على الأرض.
لم يكن هذا التحرك نزهة سياسية، ولا محاولة لتجميل الصورة، بل كان فعلًا محسوبًا، مدروسًا، يحمل رسائل واضحة في اتجاهين: أحدهما نحو الدولة، يؤكد أن الرقابة الحقيقية تبدأ من الميدان لا من القبة فقط، وثانيهما نحو الشارع، يشي بأن ثمة كتلة حزبية اختارت أن تسترد دورها الطبيعي في مساءلة السلطة التنفيذية استنادًا إلى معطيات واقعية لا تُصنع في الكواليس.
انطلقت الكتلة من محافظة إربد، وهناك وضعت يدها على نبض المشاريع الحكومية، والتقت بالحكام الإداريين، ورؤساء مؤسسات المجتمع المدني، والمدراء التنفيذيين، لتقرأ الواقع كما هو، لا كما يُراد له أن يُعرض في الخطط والتقارير. وقد أعلن رئيسها، الدكتور إبراهيم الطروانة، بوضوح أن هذه الجولة لن تكون استثناءً، بل نهجًا متواصلًا لمتابعة مدى التزام الحكومة بتعهداتها في خطابات الثقة والموازنة، وجلسات مجلس الوزراء الميدانية، وردودها على الاستفسارات النيابية.
في هذا السلوك ما يتجاوز حدود العمل البرلماني المعتاد، ليؤسس لمرحلة جديدة من الفعل الحزبي البرامجي، حيث تُستبدل لغة التهييج والاستعراض تحت القبة بمنهجية التحقق والتدقيق خارجها. وهو ما يشكّل تحولًا مفصليًا في صورة النائب الحزبي، من متحدث باسم جماعة سياسية، إلى عين راصدة ومحاسبة تنطلق من وجع الناس وتعود به إلى طاولة التشريع والرقابة.
كتلة الميثاق بهذا التوجه لا تكتفي بأن تمارس دورًا جديدًا، بل تفرض سؤالًا سياسيًا على باقي الكتل: إلى متى سيبقى العمل النيابي حبيس القاعات، ومعزولًا عن الواقع؟ وإلى متى ستظل البرلمانات تصنع قراءتها للبلاد من وراء النوافذ؟ هذا النهج، إن استمر واتسع، قد يضع العمل الحزبي الأردني على سكة النضج السياسي، ويمنحه فرصة للخروج من دائرة الاتهام بالعجز والتكلس.
كما أن في هذا التحرك انسجامًا لافتًا مع التوجيهات العليا بضرورة تلمّس الواقع، والنزول إلى الميدان، ومعالجة مكامن الخلل من موقع المعرفة لا من مسافة الإنكار. إنه إدراك متقدّم لما يريده الأردنيون من ممثليهم: أداءً لا ادعاء، ومحاسبة لا مجاملة، وحقائق لا وعودًا.
ختامًا، كتلة الميثاق، إذ تشق هذا المسار وحدها حتى الآن، فإنها تضع الجميع أمام لحظة مراجعة. فإما أن نذهب نحو برلمان يقرأ من كتاب الشعب، أو نظل أسرى مشهد تتكرر فيه العناوين وتغيب فيه الأفعال. وبين هذا وذاك، تكتب الكتلة سطرًا جديدًا في تجربة حزبية ما تزال تبحث عن جدواها